Monday 14 January 2013

هيبة الدولة

قرأت - للأسف، وبالصدفة - مقالا به كلمات وجملا مفزعة لرئيس تحرير الأهرام عبد الناصر سلامة في عاموده اليومي على صفحة الجريدة الأولى، إسمه "الرمز...وهيبة الدولة." والمقال، في نهاية المطاف وبعيدا عن الإلتفافات الطويلة والجدالات المؤسفة، هو محاولة لرفض النقد الساخر لرئيس الدولة والهجوم اللاذع التي يتعرض إليه، بصفته شيئا مرفوضا من حيث المبدأ وأنه إنتقاص ل"هيبة الدولة." وهنا، فهو يرفض هذا النوع من النقد لصاحب المنصب، إيا كان من هو.

وهنا، مثلا، بداية المقال:

"رئيس الدولة هو رمز لهيبتها‏، والانتقاص من شخصه سواء بالتصريح أو التلميح‏، هو انتقاص من هيبة الدولة‏، وسواء كان ذلك من خلال برامج تليفزيونية‏، أو غيرها‏."

جملة جبارة. تستحضر ذكرى عصر مضى، أو يحاول أن يمضي.

والأهرام، للأسف، إنتقل بمنتهى السلاسة من دعم مبارك وتمجيده إلى دعم المجلس العسكري وتمجيده إلى دعم النظام الحالي وتمجيده، بقدر غير طبيعي من السرعة والمرونة. وكذلك ماسبيرو بالطبع.

وأود أن أقول هنا عدة نقاط بشكل سريع:

١- لطالما كان يحلم الكثير من، إن لم يكن غالبية، الشباب العربي بالهجرة من دولهم للأسف، تلك الدول التي يوجد بها أقصى هيبة للرئيس وللدولة نظريا، إلى الدول الأوروبية وأمريكا، حيث السخرية اللاذعة من الرئيس والحكومة وكل مؤسسات الدولة ورموزها موجودة منذ عشرات السنوات. لماذا؟ لأن الدول الأخرى بها نمو وحرية ورخاء، بالرغم من كل مشاكلها. فأي من تلك الدول لديها هيبة حقيقية!؟

٢- لقد رزخت مصر لقرون تحت وطأة عبادة الحاكم وفرعنته، حتى قامت ثورة يناير ضد تلك الممارسة بكل مشتقاتها. وإنتهت - إلى الأبد - فكرة الرئيس الأب والزعيم المبجل والمفدى، وبدأت من الآن فكرة "رئيس مؤسسات الدولة"، الموظف الأعلى رتبة في الدولة. أريد شعبا زعيما لنفسه، ولا أريد أفرادا زعماء. 

٣- هل بعض السخرية والنقد يخرجان عن حدود ما نراه مقبولا أحيانا؟ ربما. ولكن هذا هو إحدى أثمان الحرية. فالحرية تعني أننا مضطرين أن نتقبل ما لا نحبه أحيانا في سبيل ألا يكون لأحد الحق في إخراس الحق يوما. 

٤- كما ذكرت، فالسخرية من الحكماء والرؤساء والمسئولين موجودة في كل الديمقراطيات الناجحة والمتقدمة في العالم، وهي إحدى أقوى الأسلحة ضد فرعنة الحاكم لذاته أو فرعنة من حوله له، وهي إحدى الأسباب الرئيسية لإنتهاء عصر تمجيد الزعماء والأنظمة وكل ما جلبه ذلك العصر من قمع ووبال على البشرية في كل الدول. فإن رأيت من تلك السخرية والإنتقادات ما لا يعجبني كمشاهد أو قارئ، فسوف أغير تلك القناة أو الجريدة، وربما أرسل خطابا إلى ذلك البرنامج أو تلك القناة أو الجريدة لأعبر عن غضبي أو رفضي، وربما لن أقرأ الجريدة أو أشاهد تلك القناة مرة أخرى، وسأدعو من أعرفه لفعل نفس الأمر. ولكن هذا هو سقف رفضي. الإستثناء: الإدعاء الكاذب على شخص ما بشيء لم يفعله وكأنه حقيقة، فهذه هي جريمة بكل تأكيد.

٥- تحمُّل المسئول بالدولة لتلك الأنواع من السخرية، أيا كانت الدولة وأيا كان المسئول، هو دليل على قوته وثقته في ذاته ومشروعه، وهو سببا لإحترام ذلك الشخص أكثر فأكثر. ولطالما شاهدت البرامج والكتابات والرسومات الساخرة من الزعماء والسياسيين والشخصيات العامة في ومن دول العالم بينما كنت أشب، وإذا بالعديد من تلك الشخصيات التي تعرضت لسخرية لاذعة وقد تبوأت مقعدا مرموقا في التاريخ بالرغم من كل شيء، وبعضها دخل التاريخ لأنه كان الراعي لحرية الرأي والتعبير بأنواعها.

٦- لن "يتوحد الإعلام وراء الدولة" أو "ينضبط الإعلام" كما طالب البعض (ملحوظة: هذه الإقتباسات ليست من المقال)، فتلك الأمور لا توجد إلا في الدول الفاشية، ولا يوجد ذلك في أي ديمقراطية، إلا ربما مؤقتا في خلال بعض الأزمات الوطنية كالزلازل وغيرها من الكوارث، ومن تلقاء ذات الإعلام. سيظل الإعلام المؤيد لا يرى سوى أنهار من النجاحات وسيظل الإعلام المعارض لا يرى سوى أنهار من الفشل، وهذا هو الحال في كل دول العالم الديمقراطية. وكل ما يهم هو أن يتحمل الإعلام مسئولية ما يقوله ونتائجه، وأن نعمل كلنا بشكل شفاف لتحسين الإعلام ككل ورفع مصداقيته وأداءه، دون محاولة قمعه أو التحكم فيه.

٧- ولماذا رفض مبدأ أن البعض قد - نظريا - يستحق لذوعة شديدة لنقد ما؟ ألم يستحق مبارك وغيره من المسئولين (على الأقل بعض من) ما أصابهم من نقد لاذع، وغيره الكثيرون؟ 

٨- وماذا عما يسمى ب "هيبة الدولة"؟ إن هيبة مصر خارجيا تأتي من إقتصادها وقوتها المادية كدولة، ومن رؤية العالم لنجاحاتها داخليا، ولدورها حول العالم. وهيبة مصر داخليا تأتي من تنظيم الدولة ونموها ونجاح مؤسساتها وشركاتها وأفرادها، ورخاء مواطنيها، ومن شرطة منضبطة وقوية دون الإخلال بحقوق الإنسان وإحترام المواطين، وغير تلك العناصر. وكما قلت، يتعرض أكبر المسئولين في الدول الديمقراطية لنقد لاذع بشكل يومي، فلا أرى أحدا لا يرى هيبة لأوروبا أو لأمريكا، وبالرغم من مشاكلها كدول إلا أنها ظلت تنمو وتزداد رخاءا على مدار عقود. فلا داعي لخلط الأمور.

دعوا المشاهد يفرز، ودعوا القارئ يفرز.

No comments:

Post a Comment